في إطار فعاليات مركز ماري للأبحاث والدراسات أقام المركز محاضرة حوارية بعنوان:
“المشكلات البنيوية في الاقتصاد السوري وآليات الانتقال لنظام اقتصادي جديد”
حاضر فيها الأستاذ الدكتور تيسير الرداوي أستاذ الاقتصاد ورئيس هيئة تخطيط الدولة في سورية سابقاً، وذلك يوم الخميس الموافق 8/10/2020 في تمام الساعة الخامسة مساءً عبر منصة الزووم
بدأ الندوة الدكتور معروف خلف مدير مركز ماري للأبحاث والدراسات بنبذة عن واقع وبنية الاقتصاد السوري خلال الأعوام السابقة لافتاً الانتباه إلى الاختلالات التي عانى منها منذ عام2000، موضحاً الوضع الراهن للمجتمع السوري في ظل تدهور الاقتصاد، ومبيناً أنَّ الاحصائيات تشير الى أنَّ 85% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر وأنَّ 13.2 مليون إنسان بحاجة إلى مساعدات معيشية. كما أنَّ احتياطي العملة الصعبة قد تم استنفاده من قبل النظام خلال السنوات التسع الماضية حيث وصل إلى 2 مليار دولار، كما زادت المديونية الداخلية إلى ما يعادل 8 مليار دولار . كما سعى النظام إلى نقل الاقتصاد من الاقتصاد الاشتراكي إلى ما أسماه اقتصاد السوق الاجتماعي.
بدأ الدكتور تيسير الرداوي حديثه بتلخيص مبسط للأزمة الاقتصادية السورية واصفاً إياها، بأنَّها أزمة بنيوية طبيعية لأنَّ السياسة الاقتصادية السورية هي عبارة عن خليط اقتصادي منذعام 1970 كانت تتجه نحو الاشتراكية وإلى اقتصاد السوق ولكن السمة البارزة لها هي التحالف بين السلطة والمال بشكل عام حيث كانت تتماشى مع تهميش المنتجين الى أن وصلت في عام 2005 الى اقتصاد السوق الاجتماعي والذي لم يكن سوى غطاء لا علاقة له بالإقتصاد ولا علاقة له بالإجتماعي.
وبالحديث عن أكذوبة اقتصاد السوق الاجتماعي كما أسماها الدكتور تيسير الرداوي، سرد الدكتور عدة نقاط أساسية توضح واقع الاقتصاد السوري، مبيناً أنَّ معدل النمو في سورية كان بين 2000 و2010 يُعلَن عنه على أنَّه بين 5 إلى 7 بالمئة وهذا الاعلان غير صحيح، وبالحديث عن الناتج المحلي الاجمالي بيَّن الدكتور تيسير أنَّ هذا المستوى العالي الذي كان يُعلن عنه لم يكن دقيقاً، كون الثروة كانت مركزة في أيادي أناس محددين، بينما كانت علامات الفقر وضعف الناتج المحلي تبدو جلية على عموم الشعب السوري، إلا أنَّ مظاهر البذخ والثروة لدى طبقات محددة توهم من يشاهدها بأنَّ معدل النمو صحيح. وعليه فإنَّ الناتج المحلي الإجمالي ونظرا لتركز الثروة لا يمكنه التعبير حقيقةً عن حصة الفرد الحقيقية منه.
أمَّا بالنسبة لمعدلات الاستثمار فإنَّها لا تتجاوز 20 بالمئة، بينما كانت في الدول الفقيرة تصل الى 30 بالمئة، وقدعانى القطاع الزراعي من اقتصاد السوق الاجتماعي حيث أنَّه تم استغلال الفلاح المنتج أسوأ استغلال، وبالنسبة للقطاع العام فقد توقَّف نهائياً، وأصبح ملعباً للحزب والمافيات التجارية. أي أنَّه وبالمختصر، خلال هذه الأعوام تراجعت بشكل كبير إنتاجية مجمل عوامل الإنتاج على الرغم من أنَّ أسعار الصَّرف كانت ثابتة بين 30 و47، وذلك يرجع إلى أسباب منها رغبة المافيات الاقتصادية في السوق بذلك.
وبالحديث عن السياسة الضريبة أوضَح الدكتور تيسير أنَّ السياسة الضريبة وإيرادات الضريبة لم تشكل أكثر من14 بالمئة من الناتج الإجمالي، وهي نسبة منخفضة جداً حيث كانت في دول أخرى تشكِّل 50 بالمئة من الناتج المحلي مُنوها إلى أنَّ المشكلة ليست في نسبة الضرائب، وإنَّما بتزايد الضرائب المباشرة التي كان يدفعها الفقراء ويعفى منها الأغنياء حيث كانت الضرائب المباشرة تُشكِّل ما نسبته 60 بالمئة، ولكنَّها وصلت إلى 40 بالمئة منوها أنَّ الأغنياء لا يدفعون الضرائب نتيجة لتهرب وفساد وإعفاءات.
كما أشار الدكتور تيسير إلى أنَّ الانفاق الحكومي كان يشكل حوالي 30 بالمية من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل إلى واحد بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى أنَّ الإنفاق على التعليم كان لا يتجاوز 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الرغم من أنَّ التعليم في سورية منذ الدولة العثمانية، ومنذ تأسيس الجامعة السورية عام 1905 كان مجانياً تماماً فقد تحول في الآونة الأخيرة الى تعليم يشمل على تعليم موازي وجامعات خاصة، مما زاد الضغوطات على أبناء الطبقة الفقيرة للحصول على معدلات عالية لدخولهم إلى الجامعة
وبالحديث عن الإنفاق على الصحة لم يكن الوضع أفضل حالاً، حيث كان أقل من 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع دول تنفق ما يصل إلى 33 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن نسبة الفقر التي تجاوزت 15 بالمئة ونسبة الفقر المتقع التي تجاوزت 4 بالمئة، بالإضافة إلى حصة الأجور القليلة جدا والتي لا تفي بسدِّ الاحتياجات الاساسية. أمَّا بالنسبة للزراعة، فقد تناقصت وتناقصت مساحة الأراضي المزروعة بشكل ملحوظ، والصناعة هي الأخرى لم تكن أفضل حالاً حيث لم تكن مساهمتها تتجاوز ال 8 بالمئة من الناتج المحلي، أي أنَّ خسائر القطاع العام بلغت مبلغاً خيالياً.
وبعد الحديث عن هذا الواقع وتمحيصه طرح الدكتور تيسير عدة تساؤلات: تشمل أي اقتصاد نحن نريد الآن؟ وماهي مقومات نظام الحرية الاقتصادي؟ وما معنى الاجتماعي؟ وما هي حقوق المواطنين؟ وماهي مستلزمات التنمية؟ وكيف يمكن ضبط النظام الاقتصادي والمحافظة عليه؟
وأردف المحاضر أنَّ الخطوة الأساسية الأولى لبناء اقتصادي سليم تكمن في إعادة إعمار البنية التحتية، وإعادة اللاجئين، وإيجاد فرص عمل وتحسين وضع المياه و تأمين الطاقة وإنصاف المناطق الفقيرة وإصلاح مؤسسات الدولة.
وبالحديث عن دور الدولة في السوق قال الدكتور تيسير أنَّ مهمة الدولة الأولى السماح لآلية السوق الخفية بالعمل دون عوائق، ويجب عدم التدخل بالاستثمار، لكن السماح به وتوفير المعلومات عنه والمساوة بين الموزعين وعدم التدخل في تحديد الأسعار، ولا بدّ من إفساح المجال كاملاً لآلية السوق ولا بدَّ من العمل على توازن الرواتب مع أسعار السوق، كما يجب على الدولة أن تقوم بتوفير العمل لكلّ الناس والتشغيل يجب أن يكون هو الشاغل الأساسي للدولة.
وباختصار لخص الدكتور تيسير فكرته بأنَّه يجب أنْ يكون الاقتصاد السائد هو اقتصاد السوق دون تدخل الدولة إلا في مهام محددة كمنع الاحتكار وغيره، ودعى إلى ليبرالية اجتماعية واضحة بحيث تكون متضمنةً المبادىء الاقتصادية للدستور بما فيها الحرية الاقتصادية الكاملة مع إشراف الدولة ودورها في التنمية، وذلك ما ينص عليه دستور 1950 و1912 أي أنَّنا يجب أن نعود الى منطق وإلى روح دستور 1950 والذي يقضي بأنَّ المواطنين والمواطنات متساوون وعلى الدولة ضمان هذه المساوة، ويجب أن تعمل الدولة على زيادة الإنتاج الزراعي ويجب أن لا تتملك الدولة مشاريع إنتاجية وخدمية بل يجب أن يقتصر تدخل الدولة في بعض القطاعات كالمناجم والمعادن، وذلك لأنَّ الثروات هي ملك للدولة وهي التي تديرها وتستثمرها ويمكنها تأجير أراضيها إزاء مقابل مادي كما أنَّ منع الاحتكار هو أحد المهام العليا للدولة، وباختصار لا حدود للملكية الفردية ولا يجوز فرض الضرائب خارج حدود القانون ويجب أن تكون الضرائب تصاعدية.
وفي ختام المحاضرة قام الدكتور تيسير بالرد على أسئلة المشاركين معرجاً على الخطة الخمسية الحادية عشر وإعادة إعمار سورية، ودور الثروات الباطنية الموجودة في المساهمة في إعادة الإعمار منوهاً على أهمية إعادة تأهيل اللاجئين اللذين يشكلون البنية الأساسية في إعادة إعمار سورية.