السمات الأساسية للحكم الانتقالي: مع الإشارة إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254

يُعدُّ الحكم الانتقالي نوعاً من الحكم يظهر إلى الوجود كسلطة يفرضها الواقع في الدول التي تشهد تحولات جذرية سياسية واجتماعية واقتصادية،  وذلك بالقضاء على النظام القانوني السابق وبالتمهيد لإحلال نظام قانوني جديد، أو هو حكم يفرضه واقع الثورة  بالانتقال من حكم تسلطي قمعي خلافي إلى حكم ديمقراطي رشيد.

فالحكم الانتقالي وفقاً لهذا التحديد يتصدَّر الحكم خلافاً للإجراءات المقرَّرة في الدستور، ولا يستند إلى نظام قانوني سابق عليه، وهو ينشأ إمَّا بفعل نجاح الثورة أو بفعل قرار دولي.

وطالما أنَّ الحكم الانتقالي يُعدّ إنهاءً لمرحلة وايذاناً لبدء مرحلة جديدة، لذلك يُعدُّ حكماً مؤقتاً بطبيعته،  فالتوقيت أو التأقيت يُعدُّ من أبرز سمات الحُكم الانتقالي، بوصفه حالة تُنهي وضعاً دستورياً وتُمهِّد إلى إيجاد وضعٍ دستوري جديد .

وقد أكَّد على الطبيعة المؤقتة للحكم الانتقالي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بقوله (  يُعرب – المجلس- عن دعمه في هذا الصَّدد لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية وتحدد جدولا زمنياً وعمليةً لصياغة دستور جديد)

والتوقيت كسمة من سمات الحكم الانتقالي محكوم بدور وظيفي واجب الأداء من قبل مؤسسات الحكم الانتقالي ، بمعنى أنَّ مؤسسات الحكم الانتقالي لها دور غائي أو محكومة بهدف محدد يتمثل في تهيئة البيئة الصالحة من أجل اقامة حياة دستورية جديدة، قوام تلك البيئة جمعية تأسيسية منتخبة أو معيَّنة أو مزيج بين الانتخاب والتعيين، تضع دستوراً يتضمن هياكل ومؤسسات سياسية تدار بطريقة ديمقراطية تشاركية وفقاُ لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءَلة، وهذا ما أكَّده قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بقوله (ويُعرب – المجلس – كذلك عن دعمه لانتخابات حرة نزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهر تحت إشراف الأمم المتحدة بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشَّفافية و المساءَلة وتشمل جميع السوريين الذين يحق لهم المشاركة بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر) .

وفيما يتصل بقضية المُدَّة التي يجب أن يستغرقها الحكم الانتقالي بوصفة حكماً مؤقتاً، فإنَّه يكفي لتحديد تلك المُدَّة أن يُهيئ الحكم الانتقالي بيئة من خلال إيجاد مؤسسات سياسية ودستورية قادرة على إدارة الشأن العام، بعبارة أخرى لا يشترط استمرار الحكم الانتقالي أن تقوم المؤسسات السياسية والدستورية الجديدة بوظائفها فعلاً حتى تنتهي فترة الحكم الانتقالي، إنَّما يكفي أن تكون تلك المؤسسات موجودة وأن تكون لديها القدرة على القيام بمهامها.

ويترتب على وجود المؤسسات السياسية والدستورية الجديدة وعلى قدرتها على القيام بمهامها إنتهاء مدة الحكم الانتقالي حتماً، وأي إطالة لمُدَّة الحكم الانتقالي بعد هذا التحديد يجعله خارج دائرة القانون وبعيداً عن المشروعية ولا يخضع لأي وصف أو تبرير قانوني إلا وصفه بأنَّه استيلاء على السلطة وغصب لها.

وكما أنَّ الحكم الانتقالي يُعدُّ حكماً مؤقتاً بطبيعته، فإنَّه يعد نظاماً قائماً على تركيز السلطات، فهو يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ويكون للسلطة القضائية في علاقتها بالحكم الانتقالي وضعاً غير تقليدي من حيث تنظيمها، حتى لا تكون السلطة القضائية  عقبة أمام المهام والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الحكم الانتقالي، كما ويستطيع الحكم الانتقالي أن يُنشئ محاكم خاصة استجابة للنظام المنشود الذي يسعى إلى إقامته كلما اقتضت مبادئ العدالة الانتقالية ذلك.

واندماج السلطات أو تركيزها لا يعد عيباً في نظام الحكم الانتقالي، إذ أنَّ طبيعة الانتقال تفرض دمج السلطات وتركيزها ، فوظيفة الحكم الانتقالي هي تهيئة البيئة لحياة سياسية ودستورية مستقرة لذلك لا بد من إعطاء مؤسسات الحكم الانتقالي حرية الحركة، بحيث تكون لديه القدرة على التعاطي مع المتغيرات بسرعة وبمرونة ، ولا يكون ذلك إلا من خلال تركيز السلطات، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أنَّ هذا التركيز بدوره مؤقتاً شأنه شأن الحكم الانتقالي ذاته. 

وباعتبار أنَّ الحكم الانتقالي يتولى السلطة كأمر واقع وبصفة مؤقتة،  ويقوم على دمج السلطات، ويستهدف تحقيق غرض معين، وهو تهيئة المؤسَّسات السياسية والدستورية لتتولى الحكم بصفة مستقرة ، فإنَّ من سمات الحكم الانتقالي أيضاً الحد من الأنشطة المعارضة التي لا تتفق والغاية التي وجد من أجلها الحكم الانتقالي ، وخاصة الأنشطة المعارضة الهدامة التي يكون هدفها عرقلة عمل الحكم الانتقالي أو منعه منه أو إرباكه عند أداء دوره في تهيئة البيئة اللازمة لإقامة حياة سياسية ودستورية مستقرة . علماً بأنَّ الحدَّ من الأنشطة المعارضة ليس هدفاً بحد ذاته، إنَّما هو إجراء مؤقت يلجأ إليه الحكم الانتقالي أو الحكومة الانتقالية لإيجاد مؤسسات الحكم الجديدة وتمكينها، لذلك ليس ثمَّة مانع من السماح للمعارضة بأن تمارس نشاطها، خاصة الأحزاب السياسية ذات الرصيد الشعبي، إذا لم يكن ثمة خطر على الحكم الانتقالي بوصفه المكلَّف مؤقتاً بإدارة الدولة وتهيئة البيئة تمهيداً لحكم مستقر دائم ناتج عن دستور جديد يحظى بموافقة شعبية وبعملية انتخابية وفقاً لإجراءات تتفق والمعايير الدولية من حيث الشفافية ، وبحيث يكون الحكم المستقر الذي يلي الحكم الانتقالي  حكماً رشيداً.

عن د.عبد القادر الشيخ

أستاذ دكتور في الحقوق، مدرس في عدد من الجامعات السورية، له عدة مؤلفات في القانون.

شاهد أيضاً

مفترضات العملية السياسية في الحل السوري

ليست المشكلة في القضية السورية هي كتابة الدستور أو صناعته، ذلك أن كتابة الدستور هي …